أحمد الأسعد

الإنتماء اللبناني

الفكر السياسي

العمل السياسي هو عمل حضاري.

فعلى الحزب السياسي، ليس فقط نقد ما نعلمه جميعا"، انما عليه ايجاد خطط وبرامج علمية وعملية من اجل حلّ المشاكل الجوهرية التي يعاني منها المجتمع وتحسين مستوى معيشة المواطن وتلبية احتياجاته الحيوية.

اما اذا اكتفى الحزب السياسي بنقد الواقع من دون الاعلان للرأي العام عن رؤيته وبرنامجه المفصّل لتطوير هذا الواقع، فهذا يعني ان هذا الحزب ليس مؤهلا" لقيادة المجتمع نحو الافضل، نحو التطوّر.

لذا، على الحزب السياسي ان يقدم للرأي العام رؤيته وفكره السياسي الجدي والمتكامل.

وهنا لا بد من التذكير بأن كل دول العالم التي تطوّرت، حققت تطوّرها لانها، في مرحلة ما في تاريخها، اتت بقيادات واحزاب نوعية الى مراكز القرار.

وهكذا استطاعت هذه القيادات والاحزاب السياسية ترجمة رؤيتها وفكرها الى عمل دؤوب من اجل خلق الركيزة السليمة والمناخ المطلوب لتحسين المجتمع وتطويره، وذلك من خلال تفجير طاقات شعوبها وتحفيزها على الابداع. والمثال الواضح الذي يعكس هذا الواقع، هو تجربة كوريا الجنوبية مقارنة بكوريا الشمالية.

ففي منتصف الخمسينات تقسم الشعب الكوري الى دولتين: كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية.

في كوريا الجنوبية اتى نظام برؤية حضارية حديثة اتاحت لكوريا الجنوبية مع الزمن ان تصبح ما اصبحت عليه اليوم من ديموقراطية وقوة اقتصادية وصناعية وعلمية.

اما النظام في كوريا الشمالية، فكان نظاما" فاسدا" برؤية وذهنية خشبية، مما جعل كوريا الشمالية اليوم من افقر دول العالم الى درجة انها تعاني مشكلة الجوع لدى نسبة كبيرة من اهلها.

 يقسم "الانتماء اللبناني" الفكر السياسي الى قسمين:

السياسة الداخلية

في مسألة السياسة الداخلية، مسألة تطوير الواقع الاجتماعي والاقتصادي، أي معالجة الفقر، والبطالة، ومشاكل الطبابة والاستشفاء، والفساد، يتمحور فكر "الانتماء اللبناني" حول الثوابت التالية:

1- حرية الرأي والتعبير

2- الاقتصاد الحر مع المنافسة الشفافة

3- مواجهة جميع التيارات الاستبدادية لا سيما التيارات المتأسلمة

4- ضرورة مجانية الطبابة وتطوير مستوى التعليم الرسمي

5- محاربة الفساد من خلال ايصال طبقة سياسية مؤهلة الى مراكز القرار.

 

1- حرية الرأي والتعبير:

حرية الرأي هي الروح الحية للديمقراطية وهي الشرط الاساسي لوجودها.

فلكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير، ولا يمكن لهذه الحرية ان تتحقق في مجتمع حر الا بحمايتها من الناحية القانونية.

ويرجع سبب اهمية حرية الرأي في العصر الحديث الى انتشار النظام الديمقراطي في العالم، هذا النظام الذي يقوم بطبيعته على مبدأ حكم الشعب بواسطة الشعب. هذا النظام الذي يقوم على مبدأ حرية الانتخاب، وحرية الانتخاب هذه تفترض حتما" حرية الشعب في التعبير عن آرائه وافكاره.

وفي رأينا ان حرية الرأي هي اساس كل ديمقراطية ناجحة وان حرية التعبير تتلخص فيها كل معاني الحرية. ليس هنالك الا حرية واحدة، وكل الحريات متشابهة في ما بينها، وانتهاك إحداها هو انتهاك للحريات كلها.

اساس الحضارة الحديثة كانت مجموعة الحريات التي انقذت البشرية من ظلام القرون الوسطى، وقيودها المانعة لممارسة الناس حرياتهم. فساد العلم والعقل، والقانون الذي لا يفرق في الحقوق بين حاكم ومحكوم.

تم كسر القيود، التي فصلت المجتمع الحديث عن المجتمع القديم. ولولا حرية التعبير، والاحتجاج، والتظاهر، لما كان العصر الحديث.

حرية الرأي والتعبير، حق من حقوق الانسان، مكفول بالاعراف والمواثيق الدولية كميثاق الامم المتحدة لحقوق الانسان، وحق تكفله الدساتير الحديثة، والقوانين القائمة في بلد ما: حق الرأي والتعبير وحرية الصحافة، وقضايا لصيقة بها مثل حرية الاعتقاد، انشاء احزاب، حق الاجتماع، والتظاهر.

المجتمعات العربية الاوضاع فيها مختلفة وتختلف من دولة الى اخرى.

من جهة، نجد ان حرية التعبير مذكورة في غالبية الدساتير العربية، لكنها حبر على ورق، تلغيها القوانين الاستثنائية مثل قوانين الطوارىء، ورقابة السلطة التنفيذية، وسيطرتها على وسائل الاعلام. الاعلام الموجود في اغلبه اعلام السلطة، ويعبر عن المصالح الخاصة للانظمة او الفئات المتنفذة. وحرية التعبير الممنوعة تنتهك بالاعتقال والتوقيف والمحاصرة.

لكن رغم انف الانظمة العربية الاستبدادية، وجدت بعض اشكال حرية التعبير منافذ لها، عبر الصحافة الالكترونية، والاعلام الفضائي، لكن الرقابة تمتد اليها بقوة عبر استخدام وسيلة حجب المواقع الالكترونية، او من خلال توقيف محطة فضائية.

تسيطر المؤسسات الدينية التقليدية في المنطقة، سواء في مغازلة الانظمة لها حتى لو كانت تدعي العلمانية، او من خلال قوة المد المتأسلم.

في الحالتين يتم الحد من حرية الرأي حتى في الدول التي تتمتع بهامش ديمقراطي.

حرية الرأي والتعبير قوة محركة اساسية في اتجاه التغيير، تعطي الديمقراطية معناها القائم على حق الاختلاف، وحق الاختيار. تعمد الانظمة التي تعرقل التحول الديمقراطي، الى تقييد حرية الرأي والتعبير، لتصل في بعض الدول الى منع اي تعبير حر ومستقل.

خلاصة، قوى الظلام تقيّد البشر، اما الحرية فانها تكسر القيود التي تكبّل العقل من اجل التطور وحياة افضل.

 

2- الاقتصاد الحر والمنافسة الشريفة:

لقد اثبت التاريخ فشل التجربة الشيوعية، وذلك لانها تقضي على المبادرة الفردية لدى الانسان.

وهذه المبادرة الفردية هي اساس الانتاج والنمو الاقتصادي.

فالسيطرة على المجتمع ليست هي الحل بل هي المشكلة. فاذا تقاضى الجميع الاجر نفسه، لن يكون لديهم حافز للعمل بشكل افضل. واذا كان الموظف لا يحصل على ترقية ولا على زيادة في الاجر وفي الوقت نفسه لا يُطرد من العمل – فلماذا العمل عندئذ بشكل اكثر جدية؟؟؟

في المقابل، في الاقتصاد الحر، وجود المبادرة الفردية ووجود سياسة المكافأة والعقاب في العمل، هما العاملان الاساسيان من اجل الوصول الى الابداع وانتاجية اكبر في شتى الميادين.

ولكن وبما ان الاقتصاد الحر المطلق في بعض الاحيان يمكن ان يؤدي الى الاحتكار وبالتالي المنافسة غير الشريفة، ازدهرت نظرية الاقتصاد الحر الموجه وهو النموذج الاقتصادي الذي اصبح الاكثر انتشارا"، بحيث ارتبط به النجاح في كثير من الدول.

فالاقتصاد الحر الموجه هو تدخّل الدولة لتحقيق منافسة عادلة وشريفة وتوفير الخدمات الاجتماعية، وبالتالي توفير الظروف الملائمة لتقليل التضخم وخفض معدلات البطالة ووضع معايير لظروف العمل.

فالمنافسة الشريفة والشفافة هي زاوية دعم النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، مما يخلق توازناً ليس فقط بين العرض والطلب، بل توازن توافقي ما بين مصالح المستهلك ومصالح المنتج ومصالح المجتمع.

والانتاجية الاكبر تعني نمواً أكبر للاقتصاد، وبالتالي خلق فرص عمل جديدة.

لكن العامل الاساس للاستثمار في الاقتصاد يبقى عامل الاستقرار.

فالاستثمار لا يأتي بالشكل المطلوب، الى اي دولة كانت، اذا لم يكن الوضع الامني مضبوطاً في هذه الدولة.

ولان الوضع الامني في لبنان غير مضبوط، لذلك لا تأتي الاستثمارات الى لبنان بالشكل المطلوب على الاطلاق.

والوضع الامني في لبنان ليس كما يجب، لان قرار الحرب والسلم ليس بيد الدولة اللبنانية.

 

3- مواجهة جميع التيارات الاستبدادية لا سيما التيارات المتأسلمة:

ان المقولة السائدة في مجتمعنا بأن العالم بأجمعه يتآمر علينا، ليست صحيحة".

الحقيقة هي اننا نحن من نتآمر على انفسنا من خلال استهتارنا وعدم عملنا بشكل جدي وعدم ادراكنا وفهمنا كيفية التعاطي مع العالم الحديث، عالم القرن الحادي والعشرين.

وطبعا" تتعاطى معنا جميع الدول من خلال مصالحها، وبالتالي تستغل ضعفنا اذا اقتضت مصلحة الدول بذلك. لكن المتآمر الاول والاخير علينا هو انظمتنا واحزابنا السياسية التي تقمع طاقات شعوبنا وتمنعنا من النهوض والتطور، وذلك تحت شعارات وذرائع عدة، ابرزها:

استغلال الاسلام وتحويره بعيدا" كل البعد عن جوهره
الادعاء بضرورة استعمال القمع والاستبداد من اجل الممانعة ومواجهة المؤامرة الصهيونية الامبريالية
لن ادخل في تفاصيل الموضوع الاسلامي، بل سأتركه الى سماحة الشيخ المختص للغوص في هذا الملف. لكن الاكيد هو ان هذه الحركات التي تدّعي حرصها على الاسلام، هي في حقيقة الامر لا تمت باية صلة الى جوهر الاسلام. من هنا اتى مصطلح تسمية هذه الحركات لدى "الانتماء اللبناني" بـ "الحركات المتأسلمة".

أما في ما يخص بدعة الاحزاب والانظمة التي تدعي ان كل المشاكل التي يعاني منها مجتمعنا هي نتيجة "المؤامرة الصهيونية والامبريالية" فانها في الحقيقة ذريعة تختبىء وراءها هذه الأحزاب والأنظمة لكي لا تواجه الحقيقة المتمثلة في انها انظمة واحزاب فاشلة غير قادرة على تطوير مجتمعاتها في عصرنا هذا.

والحقيقة هي انه اذا كان لدينا دولة بكل ما للكلمة من معنى، فلن يستطيع احد عندئذ التأثير علينا او منعنا من التطور والتقدم مهما علا شأن الدولة التي تريد هذا التأثير السلبي علينا.

والبرهان الاكبر على ذلك هو تجربة الصين.

فالصين في نصف القرن الماضي كانت دولة فقيرة تعاني مشاكل كبيرة وكثيرة، حتى ان الملايين من شعبها كانوا يموتون بسبب الجوع.

لكن في السبعينات من القرن الماضي، اتت حكومة جدية الى الصين، عملت من خلال رؤية علمية متطورة وطويلة المدى، مما جعل الصين تحل مشاكلها وتتطوّر مع مرور الزمن.

والصين اليوم اصبحت دولة قوية ذات اقتصاد وصناعة وعلم ونفوذ في العالم اجمع.

والصين هي الدولة الوحيدة التي ستنافس الولايات المتحدة في أواخر هذا القرن في المجالات كافة.

ولن تستطيع الولايات المتحدة القيام بأي شيء من اجل تغيير هذا الواقع.

خلاصة، لا بد من المواجهة الحضارية، مع جميع التيارات الاستبدادية والمتأسلمة لاضعافها والالتحاق بالحداثة.

 

4- ضرورة مجانية الطبابة وتطوير مستوى التعليم الرسمي:

الدول التي تقدمت وتطورت في العالم، حققت تطوّرها باعتمادها على طاقة شعوبها، التي هي الثروة الاهم، وتحديدا" الاجيال الصاعدة.

ولكي تستطيع جميع شرائح المجتمع، وليس فقط فئة محظوظة ميسورة، ان تنتج وتبدع اذا ارادت، يتوجب على الدولة ان تؤمّن ركيزتين اساسيتين لكل مواطن، هما:

  • الاستشفاء والطبابة من دون اي تكلفة
  • تعليم رسمي مجاني بمستوى عال جدا

هكذا، تؤمن الدولة لكل شبابها، من مختلف طبقات المجتمع، فرصة حقيقية للنجاح في الحياة، اذا اراد هؤلاء الشباب استغلال تلك الفرصة.

فاذا لم تكن المدارس والجامعات الرسمية، على الاقل بالمستوى نفسه لنظيراتها في القطاع الخاص، كيف يمكن لهؤلاء الشباب منافسة زملائهم في المدارس والجامعات الخاصة، بالنسبة للوظائف والمراكز المهمة؟

ومن ناحية اخرى، ان لم تكن هذه الشريحة من المجتمع مطمئنة حيال الطبابة والاستشفاء، فكيف لها ان تخطط لمستقبلها وتكمل دراستها؟

إذن، من دون هاتين الركيزتين، لا امكانية ولا امل حقيقياً عند شريحة كبيرة من مجتمعنا لكسر "دوامة الفقر"، التي تتوارثها جيلا" بعد جيل.

وكل ما ذكرنا اعلاه، عدا كونه موضوعا" انسانيا"، فهو موضوع محق، يتعلق باعطاء جميع ابناء مجتمعنا فرصة واقعية للنجاح في الحياة، انما هو ايضا" موضوع اقتصادي.

ففي زمن العولمة، اهم الطاقات التي تمتلكها الدول، هي طاقات شعبها وقدرته على الانتاج والابداع. ونجاح هذه الشريحة من المجتمع، وبالتالي كسرها "لدوامة الفقر"، سيؤدي حتما" الى نمو الانتاج المحلي واضافة ثروات جديدة للمجتمع اللبناني في ميادين مختلفة.

 

5- محاربة الفساد من خلال ايصال طبقة سياسية مؤهلة الى مراكز القرار:

القضاء على الفساد لن يتم الا من خلال ايصال طبقة سياسية تتمتع بالاخلاق والنزاهة، الى الحكم ومراكز القرار، لتكون قدوة يحتذى بها في المجتمع.

فالمجتمع يكون حسب قياداته.

وعليه لا بد من التأكيد أن الاصلاح لا يبدأ إلاّ من رأس الهرم. فاية مؤسسة بادارة فاسدة وكسولة، لا بد من ان يكون معظم موظفيها على شكلها، اي فاسدين وكسولين، لانهم يعتبرون أنه اذا كان المدير بهذه الصفات، فما هو المنتظر من الموظف البسيط.

لكن عندما تأتي ادارة نزيهة وشفافة، تراقب موظفيها وتطلب منهم التقيّد بهذه الصفات، سنرى ان معظم هؤلاء الموظفين الذين كانوا في الامس القريب فاسدين، سيتحولون الى موظفين صالحين وصادقين.

اذن، الكلام عن محاربة الفساد في ظل هذه الطبقة السياسية هو مضيعة للوقت.

الحل والحل الوحيد في معضلة الفساد هو ايصال رجالات الدولة التي تتمتع بالشفافية والنزاهة الى مراكز القرار.

 

السياسة الخارجية

أما في مسالة السياسة الخارجية، مسألة الدفاع عن سيادتنا واسترجاع الحقوق العربية من اسرائيل، وتحديد علاقاتنا مع دول العالم، فيتمحور فكر"الانتماء اللبناني" على الثوابت الآتية:

1- ترجمة حقيقية للسيادة اللبنانية.

2- تطوير منهجية الصراع مع إسرائيل وكيفية استرجاع حقوقنا.

3- تطابق المصالح بين اسرائيل والمجتمع الدولي وتحديدا" الولايات المتحدة، لغاية 9 ايلول 2001.

4- تقاطع المصالح (وليس تطابقها) بين اسرائيل والولايات المتحدة بعد 9 ايلول 2001.

5- تقاطع العديد من مصالحنا مع الغرب والولايات المتحدة تحديدا" بعد 9 ايلول 2001.

6- الحركات المتأسلمة هي خطر على جميع مجتمعات المنطقة، وتشكّل هدية ثمينة للتطرف الاسرائيلي.

 

1- ترجمة حقيقية للسيادة اللبنانية، فاسرائيل تحتاج الى ذريعة:

لا بد من السؤال هنا، لماذا بين كل الدول العربية، لبنان هو الوحيد الذي يعاني من حروب ومشاكل امنية على الحدود مع اسرائيل؟

لماذا لم تكن هناك اية مشكلة على الحدود الاردنية، حتى قبل اتفاق السلام؟

لماذا لا توجد اية مشكلة على الحدود السورية؟

هل لان الجيش الاسرائيلي يخشى الجيش السوري مثلا"؟

طبعا" لا، فالجميع يعلم ان الجيش الاسرائيلي يتفوق على الجيش السوري باشواط كبيرة.

الحقيقة هي ان اسرائيل تحتاج دائما" الى ذريعة، وذلك من اجل ترويج مقولتها الشهيرة امام المجتمع الدولي بانها "دولة مظلومة تدافع عن نفسها لانها محاطة بمجموعات تريد ابادتها او حتى حرقها كما فعل النازيون الالمان اثناء الحرب العالمية الثانية".

واسرائيل بحاجة دائمة الى تأكيد هذه المعادلة. فهذه المعادلة هي الاساس لتعاطف الرأي العام الغربي معها، وهذا التعاطف يُترجم الى مزيد من الدعم المالي والعسكري والسياسي الى الكيان الاسرائيلي.

لذلك تحتاج اسرائيل الى ذرائع لكي تتمكن دائما" من اعطاء صورة للعالم انها الضحية التي تدافع عن نفسها. والحقيقة هي ان لبنان ومنذ الاستقلال تقريبا"، كان أكثر من قدّم لاسرائيل هذه الذريعة.

وذلك لان الدولة اللبنانية كانت غائبة وغير موجودة لعقود عدة، فلم تمتلك يوما" قرار الحرب والسلم، كسائر دول العالم.

ففي الماضي القريب كان الفلسطينيون، من خلال اعمالهم العسكرية في جنوب لبنان، يشكلون الذريعة الامثل للعدو الاسرائيلي.

أما اليوم، فقد اصبحت الذريعة هي سلاح "حزب الله"، هذا السلاح الخارج عن شرعية الدولة اللبنانية.

خلاصة، المطلوب ان تكون الدولة اللبنانية هي الوحيدة التي تمتلك السلاح وتمتلك قرار الحرب والسلم، تماما" كما هي الحال في سوريا.

واحتكار الدولة اللبنانية للسلاح وقرار الحرب والسلم سيؤدي الى تهدئة الحدود مع إسرائيل تماما" كما هو الواقع عند الحدود السورية الاسرائيلية.

 

2- تطوير منهجية الصراع مع إسرائيل وكيفية استرجاع حقوقنا:

يؤكد "الانتماء اللبناني" ان الصراع العسكري مع إسرائيل ليس الصراع المناسب للوصول الى استعادة حقوقنا، بل العكس هو الصحيح، اذ أن استمرار هذا الصراع العسكري يعطي اسرائيل الذريعة المطلوبة من اجل تبرير وجودها والقيام بالمزيد من الحروب والمجازر.

كما أن هذا الصراع العسكري غير مجدٍ لان الحروب اليوم لم تعد تقاس كما كانت في الماضي، ايام كانت الحروب بالسيف وعلى الخيل، اي عندما كانت تقاس بالشجاعة والتضحية.

اليوم اصبحت الحروب تعتمد على التكنولوجيا. وهذه التكنولوجيا مرتبطة بامتلاك الدولة اقتصاداً وعلماً بمستوى عالٍ جدا".

لذا، حتى اذا اردنا ابقاء الخيار العسكري مفتوحا" للمستقبل، لا بد من بناء دولة بكل ما للكلمة، دولـة بمقومات اقتصادية وعلمية، هـذا اذا اردنا الوصول الى نوع من التكافـؤ بيننا وبين العدو الاسرائيلي.

ولكي تقوم هذه الدولة، لا بد من ان يكون السلاح وقرار الحرب والسلم بيدها فقط.

من ناحية اخرى لا بد من الاستفادة من تجربة افريقيا الجنوبية. فعندما كان السود يتبعون الاساليب العسكرية على النظام العنصري، كانوا يشكلون هدية ثمينة لهذا النظام. وهذا لان هذه الاعمال كانت تثبت ما يقوله هذا النظام الا وهو ان السود في افريقيا الجنوبية، اذا تسلموا الحكم، سيدمرون كل شيء.

لكن عندما ادرك قائد الثورة في جنوب افريقيا نيلسون مانديلا ذلك، عمد الى تغيير مسلكية محازبيه، وطالبهم بممارسة اساليب حضارية. عندئذ، بدأ الرأي العام العالمي ينحاز الى جانب الشعب الاسود في جنوب افريقيا مما اجبر النظام العنصري، في مرحلة ما، على التنازل والتخلي عن الحكم.

خلاصة، اليوم، في زمن المعلوماتية والفضائية، الرأي العام العالمي اصبح لديه تأثير كبير جدا" على مجريات الامور. علينا التمثل بتجربة جنوب افريقيا وبناء مجتمعات تحترم القانون وحقوق الانسان من اجل تعرية اسرائيل من ذرائعها مما سيجعل العالم يتعاطف معنا ومع قضايانا.

وهذا كله سيجبر اسرائيل في مرحلة ما على التخلي عن حقوقنا المغتصبة، لان اسرائيل اكثر من اي دولة اخرى، لا تستطيع ان تعيش من دون تعاطف الغرب معها. ولن تستطيع الدول الغربية الاستمرار في التعاطف مع اسرائيل، اذا تغيرت ممارستنا واقتلعنا الذرائع التي تستخدمها اسرائيل.

 

3- تطابق المصالح بين اسـرائيل والمجتمع الدولي وتحديـدا" الولايات المتحدة لغايـة 9 ايلول 2001:

عندما بدأ الصراع العربي الاسرائيلي عام 1948، كان العالم اجمع قد بدأ ينقسم الى معسكرين، معسكر اميركي ومعسكر سوفياتي.

حينذاك، العدو الاكبر والاخطر لدى الدول الغربية وتحديدا" الولايات المتحدة، كانت الشيوعية.

ولان اسرائيل لم يكن من الوارد لديها اعتناق الشيوعية او التقرب من الاتحاد السوفياتي، كما فعل العديد من الدول العربية، اصبحت اسرائيل الطفل المدلل لدى المجتمع الغربي وتحديدا" الولايات المتحدة.

اذن، في مرحلة الصراع مع الاتحاد السوفياتي، كانت اولوية الغرب وتحديدا" الولايات المتحدة، هي ابعاد ما كان يشكل الخطر الاكبر بالنسبة اليهم، الا هو الخطر الشيوعي.

لكن كل ذلك تغير طبعا" بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. التغيير الفاصل اتى بعد العملية الارهابية في نيويورك في 9 ايلول 2001.

هذه الحادثة ايقظت العالم الغربي وغيّرت مفاهيمه واولوياته رأسا" على عقب.

منذ ذلك التاريخ فهم الغرب ان الخطر الاكبر بالنسبة اليه، بالنسبة لاقتصاده ولحضارته ولاستمرارية وجوده، اصبح خطر الحركات المتأسلمة والانظمة التي تدعمها.

ومنذ ذلك الحين تغيرت سياسات الدول الغربية واصبح من أولى اولوياتها القضاء على جميع الحركات المتأسلمة.

 

4- تقاطع المصالح (وليس تطابقها) بين اسرائيل والولايات المتحدة بعد 9 ايلول 2001:

بعد 9 ايلول 2001، افترقت بعض المصالح بين الغرب واسرائيل.

التطرّف الإسرائيلي يريد اضعاف الحركات المتأسلمة لكنها لا تريد القضاء عليها.

فالتطرف الإسرائيلي بستفيد من وجود هذه التيارات المتأسلمة.

فمن ناحية، هذه التيارات لا تشكل خطرا" حقيقيا" على الكيان الاسرائيلي.

ومن ناحية اخرى، يرى التطرف الإسرائيلي ان وجود هذه التيارات المتأسلمة في المنطقة يبرّر وجودها كدولة عنصرية ويزيد من تعاطف المجتمع الغربي معها، لان وجود هذه التيارات يعزّز من مقولتها بانها محاطة بمجموعات تريد ابادتها او حتى حرقها.

وكل ذلك طبعا" ضمن معرفة اسرائيل الجيدة بان جميع هذه التيارات وجميع الانظمة التي ترعاها، مهما ادعت من امتلاك صواريخ او اسلحة، فانها لن تشكل على الاطلاق خطرا" مباشر على وجودها.

هذا التباعد في المصالح بين اسرائيل والغرب، يجب علينا استثماره، تحديدا" لانه يشكل نقاطاً ومصالح مشتركة بيننا وبين الغرب.

فالغرب يريد القضاء على الحركات المتأسلمة من اجل حماية اقتصاده وحضارته.

ونحن ايضا" نعلم انه يجب علينا مواجهة هذه التيارات المتأسلمة بكل الاساليب الحضارية من اجل اضعافها، لانه السبيل الوحيد للالتحاق بالحداثة والقرن الحادي والعشرين.

 

5- تقاطع العديد من مصالحنا مع الغرب والولايات المتحدة تحديدا" بعد 9 ايلول 2001:

يجب الاّ نخجل من تقاطع المصالح هذا، فالدول تعمل حسب مصالحها، وهذه المصالح تتغير بحسب التغيرات على ارض الواقع.

وما كان قائما" في الماضي، يمكن ألاّ يعود قائما" في الحاضر او في المستقبل. علينا دائما" قراءة الواقع واستخلاص العبر من التغيرات.

فاليوم، الغرب جدّي بانشاء دول ديمقراطية حديثة في المنطقة. هذا ليس لان الغرب هو فاعل خير، بل لانه يرى ان مصلحته هي من خلال ذلك.

فبنظر الغرب، وجود دول ديمقراطية حديثة في المنطقة هي الطريق الاسلم لتحجيم مد التيارات المتأسلمة.

لذا علينا ان نستثمر هذه القواسم المشتركة بكل جرأة بما يتناسب مع مصلحتنا نحن، مع اجندتنا نحن، ومع مصلحة مستقبل شعبنا نحن.

 

6- الحركات المتأسلمة هي هدية ثمينة ومجانية للتطرّف الاسرائيلي:

انتشار التيارات المتأسلمة التي تحمل اليوم شعار "ازالة اسرائيل" والانظمة التي تدعمها، تقدم في الحقيقة اكبر هدية للتطرّف الاسرائيلي.

فهذا التطرّف يستغل وجود هذه الانظمة والتيارات، اعلاميا" وسياسيا"، واضعا" نفسه دائما في خانة الضحية، مما يكسبه عطف المجتمع الدولي، وتحديدا" المجتمع الغربي، حيث يترجم هذا العطف بمزيد من الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي والاعلامي.

خلاصة، وجود هذه التيارات المتأسلمة هو مادة دسمة يستغلها التطرّف الاسرائيلي من اجل الإستمرار بالواقع الميداني القائم حالياً.