لا شكّ في أنّ للفلسطينيّين كلّ الحق في أن يكون شرق القدس على الأقل عاصمة لهم. غير إنّ المسألة لا تكمن في هذا الحق، إنّما طريقة الوصول إليه، وهنا لا بدّ من أن نسأل أنفسنا: هل أنّ الاستراتيجيّة التي نتّبعها منذ نحو 70 عاماً قرّبتنا من هذا الهدف؟ أليس الوقت في غير مصلحتنا؟ بل على العكس، ألا يصب الوقت في مصلحة الإسرائيليّين؟
لقد سَنَح لنا، نحن العرب، منذ العام 1948، الكثير من الفرص لتحقيق دولة فلسطينيّة قابلة الحياة، لكننا دأَبْنا، مرّة بعد مرّة، على إهدارها. وهذه الفرص الضائعة التي أضاعَها القادة العرب، بسياساتهم الإعتباطية والشعبوية وقُصْرِ نَظَرهم، أصبحت في أيّامنا هذه الهدف الأسمى للسلطة الفلسطينيّة لتحقيق السلام مع الإسرائيليّين.
وفي ظل هذا الواقع الأليم، نسأل: كيف ستنتهي هذه اللعبة، بل هذه الدوامة؟ ماذا سيصيب الشعب الفلسطيني البائس في حال أكملنا في المسار نفسه؟ هل من أمل في أن يرتاح هذا الشعب ويحقق حلمه؟
ماذا سنقول للفلسطينيين إذا بقينا نهدر الفرص؟ ماذا سنقول لأولادهم والأجيال القادمة؟ كيف سنعيد إليهم حقوقهم ونحسّن مستوى حياتهم؟
كيف؟ هل بما يسمّى "الجهاد"؟
متى سنبدأ بالتعلُّم من دروس التاريخ؟ منتى نفهم بأنّ ما يسمّى "جهاداً" هو أكبر هديّة لإسرائيل؟
متى سنعي أنّ كل المسؤولين الذين تعاقبوا على عالمنا العربي وادّعوا أنّ بإمكانهم دفن إسرائيل، هم جهلة أو كذّابون أو خليط من الإثنين؟
لماذا لا نتعلّم من تجربة جنوب أفريقيا تحت قيادة نيلسون مانديلا؟ ففي زمن نظام الفصل العنصري، عاش المواطنون ذوو البشرة السوداء في جنوب أفريقيا في ظروف أسوأ من ظروف الفلسطينيّين. كانوا يُعاملون كحيوانات من دون أيّة حقوق أساسيّة على الإطلاق. ولم تنتهِ معاناتهم إلاّ عندما جاءهم قائد عظيم هو نلسون مانديلا، فهم أنّ العنف ليس الحل، بل على العكس. أدركَ العنف الذي كان ينتهجه المواطنون السود استُخدم من قبل المواطنين البيض كدعاية بهدف الاستمرار في إحكام قبضتهم على السلطة عبر تصوير السود كمتوحّشين لا يمكنهم العيش في مجتمع متحضّر.
هذه هي وظيفة القادة الحقيقيّين. على القائد أن يكون صاحب رؤية تساهم في تحسين حياة شعبه. ولكن، مع الأسف، معظم الزعماء العرب اليوم ليسوا بقادة حقيقيّين، والشعب الفلسطيني المسكين هو من يدفع الثمن.
أما الأغبياء الذين يدّعون أنّ علينا شنّ الحرب حتى انتهاء الأزمنة لأنّ المسألة تتعلّق بالكرامة، فنقول لهم: أين هي كرامة الفلسطينيين هذه الأيّام؟ أين كرامتهم عندما يعيش معظمهم في ظروف لا إنسانيّة؟ وأين كرامتهم عندما نعلم ونرى الظروف التي يعانونها في مناطقهم؟ أين كرامتهم عندما يعيشون تحت خط الفقر، وعندما لا يستطيعون أن يخطّطوا لمستقبلهم أو أن يكونوا قادرين على إرسال أولادهم إلى المدارس وإلى الجامعات كي يستحصلوا على وظائف محترمة في المستقبل؟ أليس هذا أهم مظهر للكرامة الإنسانيّة؟
هل نسينا أنّ ألمانيا خسرت الحرب العالميّة الثانية عسكرياً واضطرت إلى التخلّي عن جزء كبير من أراضيها في الألزاس واللورين لفرنسا، ليتبيّن اليوم أنّها في الواقع باتت هي الرابح الأكبر، لأنّها أصبحت أقوى دولة في أوروبا، والركن الأساسي في قوّتها الاقتصاديّة؟
أشعر بالحزن الشديد للشعب الفلسطيني، لأنّ التاريخ ظلمه. ولكن أكثر ما يحزنني هو أنني لا أرى الضوء في نهاية نفق معاناة هذا الشعب، بل لا أرى إلاّ المأساة ذاتها في السنوات المقبلة. فمعظم القادة العرب في أيّامنا ليسوا على مستوى المسؤولية، إذ بالكاد يشترون الوقت بالشعارات الشعبويّة الفارغة، وليس لدى أي منهم الرؤية والحكمة والشجاعة للقيام بما يجب القيام به لِوضع الفلسطينيّين على المسار الصحيح: المسار الذي يقودهم نحو الأمل ونحو الكرامة الحقيقيّة.